يوميات عامود إنارة|يوم ممل

ارتفعت درجة الحرارة بشكل مؤلم في عصر ذلك اليوم المكفهر. و بينما أنا أقف بشموخي المعهود على أحدى نواصي حي هادئ ظليل نوعاً ما، تفحصت البشر السائرين من تحتي تكاد جلودهم تنصهر من فرط الحر، فتبسمت في جذل وحشي و أنا أتحسس جلدي المعدني، و الذي كان بارداً على نحو مستفز. أخذت أتسلى بمشاهدة محطة ميكروباص صغيرة تقبع بالقرب من ناصيتي، و أتابع حركة الناس صعوداً و هبوطاً، كنت أتمنى أن أتضجع أو أتكئ بدلا من وقفتي تلك، إلا أنه ليس كل ما يتنماه العامود يدركه.

لفت نظري أحد النازلين من الميكروباصات، بدا نحيلاً أقرب إلى المرض منه إلى الصحة، و حمل وجهه المرهق آثار وسامة ملفتة للنظر، خطى برشاقة نحوي و هو يحمل ذلك التعبير اللا مبالي اللطيف، بينما تبعه آخر يلوّح بعصبية شديدة بلا مبرر واضح. انتظرت حتى اقتربا، تبينت الآخر من وسط كتل الشحم التي تحيط بخصره و وجهه، وجدته أسمراً مستديراً على نحو مضحك، يتحرك بنشاط نحلة بينما يتفصد منه العرق كشلالات مجاري الأحياء الشعبية. بدا ككتلة هائلة من الحنق الغير مبرر و هو مازال يلوّح بعصبية و يقول:

” بس ما يقوليش إنه رخص الأسعار. أشرب من دمه طوالي و الله.”

” يقول.. مايقولش… أنا ماليش دعوة بالكلام الفاضي ده، أنا ليا الخط بتاعي ماشي سليم، أبقى مبسوط، هيعملوا معايا حركات قرعة، هيبقى فيه تصرف تاني”

” تصرف تاني إيه بقى؟”

انحرفا خلف ناصية قريبة و هما يحثان الخطى، و شعرت أنه قد يكون من الممتع أن أتبعهما. كعادتي، انزلقت بسرعة داخل أسلاكي المتعددة، و انحرفت سريعاً لأنزل بأقرب نزل بارد في الشارع الذي مشيا فيه. و بينما أنا أتهيأ لأتخذ وضعي من جديد و جدتهما يدلفان إلى مبنى قريب يحمل لافتة عملاقة.

” الشبكة المصرية للاتصالات Egypt Network

ارتسمت علامات الامتعاض علىّ و أنا انزلق مرة أخرى داخل الأسلاك لأطل من داخل مصباح يبدو مكلفاً على مكتب مكيف توزع فيه موظفة استقبال، و رجلين آخرين بدا عليهما الاندماج الشديد في حديث مهم توزيعا متناسقاً. انفتح الباب، و دلف صديقاي الجديدين بهدوء و توجس كالذي يسم غالب ذلك الشعب عند دخولهم مثل تلك الأماكن لقضاء المصالح. توجه النحيل مباشرة إلى فتاة الاستقبال بابتسامة ديبلوماسية باهتة و هو يسأل:

” لو سمحتي عاوز ادفع الاشتراك الشهري”

” طب ممكن حضرتك تستريح هنا ثواني؟”

هز رأسه بامتنان و هو يتوجه إلى أحد المقاعد الوثيرة و يشير لصاحبه ليجلس إلى جواره. و ما إن جلسا حتى انحنى على صاحبه يهمس في أذنه

” شايف اللي قاعد هناك ده؟ ده الباشمهندس أحمد سمير، هوه ده اللي هيجاوبك على أسئلتك”

” أنهون؟ أبو قميص أبيض؟”

” أيوة”

هز البدين رأسه بما يدل على الفهم، و فتح فمه لينطق بشئ ما عندما دلفت الموظفة على عجل تطلب منهما أن “يتفضلا”.

***

في الغرفة المجاورة جلست فتاتان على حاسبين منفصلين خلف حائل ضخم من ذلك الطراز الذي يفصل بين العميل و الموظف في تلك الشركات الصغيرة. و ارتفعت أصوات ذلك الضحك النسوي الخبيث و هما تغيظان بعضهما البعض و تتناولان فتاتاً من ذلك الهراء الذي يدعى الوجبات السريعة. شعرت باهتزازة في تياري الكهربائي و أنا أرمق تلك التي كانت تجلس عن يميني، و كأن شمس ذلك النهار الحارقة قد اختارت ركن تلك الحجرة الأيمن لتختبئ من لاعنيها، بدت باهتة إلى درجة الإبهار، بلا زينة غير ما حباها الخالق، “متناغمة بتناسق” هي تلك الكلمة السحرية الساخرة التي اشتقت من ملامحها. حاولت مراراً أن أشيح بنظري نحو الأخرى، و فشلت بعنف، فقد كانت تبدو معوجة، كسيارة فيات 128 مستعملة قبل السمكرة. و بينما هما كذلك دخلت عليهما موظفة الاستقبال في عجلة:

” الله الله، قاعدين تلعبوا و تهزروا؟”

” إيه عاوزة إيه يا (سلوى)، مالك داخلة مزعببة”

” مانتوا قاعدين هنا في الروقان، و أنا قاعدة اتعجن شغل برة.. و انتوا ولا على بالكم.. المهم، يللا جايلكم شغل.. اتلموا بقى خليني ادخله”

” شوف البت؟ نتلم إيه؟ طب امشي.. امشي من قدامي الساعة دي بدل ما قوملك”

خرجت الموظفة تشيعها ضحكات ساخرة و تعليقات من طراز ” يا سِم” . و ما لبثتا أن مسحن كل تلك الملامح الساخرة ، و اتخذتا جلسة الكاتب المصري الجالس القرفصاء الشهيرة، جلسة الموظف العتيد، و هما ترمقان الباب بتطلع.

دلف الرجلان، و لست أدري أهو شيء من السنّة في التَّيمن أم أنهما قد انجذبا إلى فلك تلك الحسناء مباشرة، إلا أنهما لم يعيرا سيارة الفيات الـ128 أي اعتبار و أولهما يسأل بلا مبالاته اللطيفة

” من فضلك عاوز ادفع الاشتراك الشهري”

” طيب ممكن توريني الوصل اللي فات”

” اتفضلي”

أخذت تعبث بلوحة المفاتيح في رقة، و يبدو أنه كانت هناك بعض العقبات، مما تطلب بعض العمل المشترك من السيارة الفيات، و…

” إيه موضوع الـ 93 جنيه ده حضرتك؟ أنا دافع المرة اللي فاتت و مسوي حسابي مع الشركة”

” طيب حضرتك هنحتاج فواتير التلاتشهر اللي فاتوا، و ان شاء الله الموضوع محلول”

” طيب كنت عاوز أسأل على النظام الجديد في أسعار النت…”

تراجعت الحسناء في مقعدها و مدت ذراعيها إلى الأمام و كأنها تتهيأ لإلقاء محاضرة مملة تحفظها عن ظهر قلب

” أيوة حضرتك الأسعار الجديدة دي الخط هيبقى محدود، يعني محدود الداونلود و كده.. حضرتك لو عاوز تغيـ…”

رفع البدين عينيه إلى سقف محجريهما و هو يطبق جفنيه في قوة و يهز رأسه في متلازمة من أعراض الملل و التذاكي، مما جعل الحسناء تبتلع لسانها في حرج و هي تنظر إليه في ترقب و قد احمرت وجنتاها بشدة. وددت كثيراً أن انتزع نفسي من المصباح الغبي الذي أنظر من خلاله لأصعق ذلك المتحذلق أو أطأ عنقه.

” أيوة عارفين الكلام ده.. احنا كنا عاوزين نسأل على حاجة تانية… بالنسبة لعقودنا… هيبقى نظامها إيه بعد ما النظام الجديد يتطبق.”

” ماشية عادي “

” أيوة بس عقودنا دي سنوية، هيحصل إيه بعد ما السنة تخلص؟ ممكن نفضل على النظام القديم براحتنا يعني؟”

” أيوة عادي، ممكن تفضلوا على النظام القديم…. إلا إذا عمموا النظام الجديد و خلوه إجباري، في الحالة دي هيمشي على كله”

” هممم بجد؟ طيب و بالنسبة للي هيجوا يشتركوا بعد واحد سبتمبر، ينفع يشتركوا على النظام القديم عادي؟”

” أيوة عادي يا فندم… ينفع”

” طيب شكراً، هنيجي بكرة ان شاء الله تاني نخلص مسألة الحساب دي”

” مع السلامة يا فندم”

خرج الرجلان متلفتين يمنة و يسرة بحثاً عن ذلك الأحمد سمير حيث تركاه، فلم يجدا له أثر، فارتسم الكثير من خيبة الأمل على وجهيهما و هما يخرجان من الشركة.

” همم؟ و بعدين؟”

” ولا قبلين… ما هي ما قالتش حاجة جديدة، شكلها حتى مش عارفة حاجة و بتخمن… يعني إيه “إلا لو خلوه إجباري” دي؟ مش آخر تصريحات قالت إنه موجه لشريحة معينه و إنه مش إجباري؟”

” آه… طب هنعمل إيه؟”

” هنيجي بكره تاني”

ارتفع الضغط العامودي في رأسي المستدق و أنا أسمع نبأ عودتهما من جديد غداً فقط لكي يتساءلا عن كنه قرار ما، و أخذت اتسأءل، أي نوع من الرجال هذين؟ لم يبد عليهما قط أنهما قد رأيا ما رأيت. أي قرار و أي تصريح قد يعميهما لتلك الدرجة؟ من قد يرى ذلك الحسن ولا تحدثه نفسه مجرد حديث نفس بالإطراء عليه، و لو سراً؟ اللعنة، يبدو أنها هلوسات الحر قد نالت منهما. يالبؤسهما!

ملحوظة: تذكر أن تتصل بأبناء عمك باكراً لتقضي معهم يوماً بعيداً عن تلك البقعة التي يفقد فيها الرجال عقولهم، فلا يكادون يرون النساء.

11 رأيا حول “يوميات عامود إنارة|يوم ممل

  1. ازيك يا دكتور
    بعيدا عن موضوع الوصلة والنت واللخبطة دى كلها انت بتكتب حلو اوى وحبيت اقولك كده وبس ربنا معاك ويا ريت تتصل فعلا بابن عمك وتروح تغير جو ضغوط قاهرة المعز قهرت الناس كلها و الحوسة خايفين نسافر حتة نلاقى الميه فيها مقطوعة يا عينى عليكى يا مصر .

  2. الجو اللي انت حطيت فيه الموضوع رائع
    وخاصة اني عارف العمود ده كويس
    طيب الوقتي الوضع ده ايه
    ماهو محدش فاهم حاجه !!
    وياخبر — احمد سمير لسه في Egypt Network
    دا بقاله قرون هناك
    المهم احنا منظرين اي خبر من اي حته يقول اي حاجه
    زي – لامؤاخذه- الكلاب السعرانه وهي تنبش في صفافيح الزبالة بحثا عن لقمة ذات معنى

  3. على فكره انا لقيت اللقمة دي في احد الأركان

    —————————–
    المندوب : مساء الخير
    انا : مساء النور

    المندوب: تحت امرك
    انا : كنت عايز استفسر عن العقد بتاعي

    المندوب : عايز نعرف عقدك هينتهى امتى
    انا : ايوه

    المندوب: عقدك بدا فى 2/7/2006 وينتهى فى 2/7/2007
    انا : طيب والتجديد

    المندوب : بجدد اتوماتيك
    انا : حضرتك عارف المشكلة بتاعت الاسعار الجديدة وتحديد النت

    المندوب : تمام انت امامك خيارين اعتبارا من 1/9/2007 اما تتعامل بالاشتراك الجديد 45 جنية شهريا والليمت 2 جيجا شهريا وتشتري كروت شحن الجيجا بسعر 8 جنية او اكررها مرة اخرى او تفضل على النظام بتاعك 95 جنيه شهريا

    انا : طيب وتبقى غير محددة ؟؟؟

    المندوب : ايوه يا فندم غير محددة بس …. لغاية اول يناير 2008

    انا : يعنى ايه

    المندوب : ممكن تفضل على اشتراكك القديم بنفس الخدمة ( غير محدد ) لغاية اول السنة الجديدة وبعد كدا احتمال الوزارة تخلى النظام الجديد 45 جنيه / 2 جيجا اجبارى ولو فشل النظام الجديد احتمال يلغوه خالص ونرجع للاسعار القديمة نفسها

    انا : الكلام ده اكيد ان ادفع 95 جنية والباكيدج بتاعتى غير محددة لحد شهر يناير 2008 وبعد كدا نشوف الوزارة هتقول ايه

    المندوب: بالزبط يافندم
    وانتهت المكالمة

    ——————————

  4. طبعا عملت فيها عنتر وقلت اكلم TeData عشان افهم ايه النظام
    وطبعا مطلعتش بحاجه وبقيت عامل زي الأطرش في الزفه
    ودا نص المكالمة
    ——–
    المندوبة: مساء الخير – علياء مع حضرتك من TeData

    انا: مساء النور – لو سمحتى انا عايز اعرف انا اشتراكي بدأ امتى والعقد بتاعي هينتهي امتى؟

    المندوبة: ممكن رقم التلفون

    انا: *******

    المندوبة: ودا في القاهرة ولا فين؟

    انا: لأ في المنصورة – دقهلية

    المندوبة: ودي كودها كام ؟!!

    انا: 050 (قال يعني متعرفش تطلعها من الكمبوتر عنها)

    المندوبة: حضرتك اشتراكك بدأ 2 سبتمبر 2006

    انا: والعقد بيخلص امتى؟ وهل بيتجدد اوتوماتيكيا ؟

    المندوبة: عقد ايه؟ هوه حضرتك بتدفع بنظام ايه؟

    انا: انا بدفع شهري
    المندوبة: خلاص مفيش عقد – هوه حضرتك بتجدد اشتراكك زي مانت شهري

    انا: طيب بالنسبة للنظام الجديد

    المندوبة: بالنسبة ل256 سعر ال…..

    انا: لأ انا مشترك على 512

    المندوبة: لأ مجالناش اي اخبار عن 512

    انا: طيب وانا بالنسبالي ايه اللي هيحصل بعد تطبيق قرار الأسعار الجديدة يوم 1/9

    المندوبة: القرار هيبدأ تطبيقه يوم 15/9 وساعتها حضرتك تقدر تستفسر عن النظام الجديد

    انا: يعني النظام الجديد هيطبق عليا انا كمان اجباري؟

    المندوبة: والله حضرتك موصلتناش اي معلومة عن خطوط ال512 بس طالما حضرتك بتدفع الأشتراك الشهري هتفضل مستمر على نفس النظام

    انا: طب النظام الجديد هيبقى اجباري عليى الخطوط ال256 ولا اختياري – وبالنسبة للسرعات التانية؟

    المندوبة: والله حضرتك ممكن تتصل بينا في اخر شهر 8 تكون المعلومات وصلتنا لأنه لحد الوقتي موصلناش اي حاجه

    انا: طيب شكرا

    المندوبة: حضرتك تحب تستفسر عن حاجه تاني

    انا: يعني انتي كنت جاوبتي على الأولاني عشان تجاوبي على التاني

    المندوبة: شكرا لأتصالك بمركز خدمة عملاء TeData

    تيييييييييييت

    —————————
    لا تعليق غير (حسبي الله ونعم الوكيل)

  5. دا اخر تجديد لتصويت الموضوع في موقع المصرية للأتصالات

    ————————
    على فكرة الموقع اتشال من عليه لنك التصويت
    الظاهر حسو بغلطتهم ولقو كله داخل يديلهم في سنانهم
    الظاهر هيبدأو في سياسة التزوير

    عموما اللنك برغم انه اتشال لكن لسه شغال
    http://www.mcit.gov.eg/ar/voting.aspx
    —————-
    نتيجة التصويت

    إستراتيجية أسعار البرودباند الجديدة تعود بالنفع الاكثر على:
    المشتركين 0% | 120
    مفدمى خدمات الانترنت 93% | 24364
    الفئتين معا 0% | 153
    لا يوجد خيار من الاختيارات السابقة 5% | 1557
    الإجمالي : 26194

  6. هيهيهي… نفس نص مكالمتي مع دعم te data…
    ونفس نص حواري مع الموظف لما روحت هناك برضه..
    صبرنا يارب..

  7. هيهيهي شكراً يا جماعة على كلماتكم الرقيقة، و شكراً لكل اللي تعب نفسه و نزل و سأل، و اللي اتصلوا، و اللي بعتوا إيميلات على قد ما يقدروا

    لسة فيه كلام كتير عاوز اقولهولكم… بالليل بقى ان شاء الله

  8. أنا سألت فرع المنصورة عندنا، وده فرع شهير بالمصداقية والخدمة الجيدة جدا وقالوا إن الوضع في 1 سبتمبر إختياري

  9. الموضوع مش دلوقتي بس الموضوع أن في ايه بعد العروض دي ياتي يا هل تري ( إسترها علينا يا رب ) و دمها علينا نعمه نعمه الفهم يا رب سترك و رضاك و أرحمنا من الناس التانيين

اترك رداً على هدى إلغاء الرد