لو أنهم يتركوننا و شأننا يا ليل

 أريد أن أقوم بعملي. هذا كل ما أريده. أريد أن أستيقظ صباحًا و أتجرع القهوة السوداء بلا سكر على عجل ثم ابدأ العمل من فوري.

لا أريد تشريفًا ولا تعظيمًا. لا أحتاج المساعدة من أحد. سأفعل كل شيء وحدي كما اعتدت منذ سنوات في صمت القبور. لا أحتاج نياشينًا ولا أنواطًا. لا أُُعرف نفسي كجيشٍ أبيض ولا بلى أزرق. لا أريد منصةً ولا إضاءات. أريد فقط أن أُترَك و شأني لأقوم بعملي.

كل هذا التصفيق و الزعيق يحرمني الشيء الوحيد الذي لا أستطيع العيش بدونه — الصمت.

يبدو هذا مطلبًا ساذجًا للغاية، بسيطًا لدرجة العته. إلا أنه غير قابل للتحقيق.. أعلم ذلك

دعوني أخبركم سرًا لطيفًا. إننا لسنا أبطالًا على الإطلاق. و صدقني عندما أقول لك -على العكس من المتوقع- إننا لا نرغب في ذلك بالكليّة. هذه المعاطف البيضاء اختارت منذ سن السابعة عشرة تقريبًا -بعلمٍ أو بدون علم- أن تحمل خراء البشرية في صمت تام و تعتبره واجبًا و شرفًا في ذاته. المسألة ليس لها أي علاقة بالاستشهاد — نحن فقط نحب حمل الخراء.

إننا نطلب شيئًا واحدًا بالمقابل. أن نحمل كل هذا الخراء بصمت. و عندما نطلب أن تفسحوا لنا الطريق كي لا يطال أحدكم أن تفعلوا ذلك بدون مناقشة. لإننا نحمل الخراء. الخراء قادم.. وسع سكة يا عم للخرة

إن أي مطالبات بإصلاح الحال أو المساعدات لن تجدي نفعًا. لإننا بعد كل شيء – دعني إعدل ذلك لإنكم بعد كل شيء- بشر لن تحبوا تبعات ذلك كله من حمل الخراء. و من تجعلونه بطلًا أول النهار ستتبرزون على وجهه آخره. فما الداع إذن؟ ما الداع لكل هذا الهراء؟

لدينا رسالة قصيرة و فعالة جدا اليوم. ابقوا بالمنزل. لا يهمنا ما تفعلون هناك. لن نستطيع أن نخبركم أن الأيام القادمة إيجابية و مبشرة  لأن الأيام لم تكن كذلك على هذه الرقعة من الكوكب خلال الآلاف السبعة السابقة من السنين. سيكون استنتاجًا عبيطًا.

لا تتحدثوا عن إمكانيات القطاع الصحي، ولا عن أجور الأطباء، ولا عن الصناعات الصحية و الخدمات الداعمة. لا تتحدثوا عن البحث العلمي، ولا عن رد الجميل. لا تتحدثوا على الإطلاق. أسكتوا عنّا تمامًا و ابقوا بالمنزل اللعين. و دعونا نعمل بما أوتينا صامتين.

أنقر هذه الكلمات الأخيرة و الصداع النصفي ينخر شقي الأيسر المحروم من الكافيين و التبغ في نهاية الساعة الثانية عشرة من مناوبة ليلية بلا وفيّات. سأسلم العمل في الساعة القادمة لشخص آخر متخم بالكافيين و التبغ و يحب حمل الخراء مثلي.

وصيتي إن مت قريبًا أن تصمتوا، و تتنيلوا تقعدوا ف البيت

محجوب عبد الدايم

لندن

2020