مشاريع قومية

أكبر دروس ثورتنا أن وحدة الصف أهم شيء، الطائفية و العنصرية و القبلية و الذكورية و الطبقية و التحزب أعتى أدوات الطغاة – أنا طبعاً السبت 12 فبراير 2011

قضيت أياماً طويلة و سوداء أحدق في تلك الصورة التاريخية لمطالب الثورة منشورة على أحد المباني الشاهقة بالقاهرة وقت كان أمن مبارك يسحقنا بالجمال و البغال و المدرعات فنتدافع إلى الصفوف الأمامية نبغي شهادة كتبها الله لمن أخلص و شاء أن نبقى في الميدان وحدنا نضرب رؤوسنا بحائط أولى المطالب، و يحتشد بنا الزخم، و تتبلور حولنا تلك الكتلة الحرجة التي أهالت ذلك الساتر الترابي المدعو مبارك ركاماً… ثم مالبثت أن استطرقت كالنيل مشتتة في القنوات. و انتهى كل شيء

و عدنا نقضي الأيام محدقين بأعين فارغة في أيدٍ فارغة. بينما امتطت القوى الوطنية غصن الثورة الغض تخترقه بخشونة و فظاظة و تفرغ فيه ما احتقن فيها على مر العقود من سوائل راكدة عفنة تحسبها آراء، و تتشبث به بأظافر طويلة قذرة تحسبها حقوقاً إلى أن ينزف شهداء جدد. و هم متشبثون. و نحن نحدق. و انتهى كل شيء.

و انطلقت حزم تليها حزم من المشاريع القومية. و أطلقت حكومة الثورة يدها بالاقتراض من صندوق النقد و البنك الدوليين و تقبل الهبات و العطايا من دول العالم شديد الإحسان و المنّة لكي تغطي تكاليف تلك المشاريع القومية الخلاقة. هذا بينما تسن القوانين لتجريم اعتصامات العمال و الموظفين و تصدر القرارات الداخلية بإخراس كل من تسول له نفسه فضح الفساد و تحاكم قضاة تحدثوا عن رأيهم في المرحلة الانتقالية و تخرس آخرين. و بينما يقضي الدكتور عصام شرف وقت متنقلا بين القمم من شرق الكرة الأرضية إلى غربها يطالبنا بتأجيل مطالبنا الفئوية لصالح مطالب الشرطة العاجلة و التي أصبحت سيفاً على رقبته. و أصبح الاستقرار مرادف نجاة الطغاة من المحاكمات. و أصبحت إدارة عجلة التنمية مرادفة للتوقف الفوري عن فعل الثورة. و هي تنطلق. و هم متشبثون. و نحن نحدق. و انتهى كل شيء.

المشاريع القومية التي لا تكلف مليماً واحداً كانت معلقةً هناك على أحد المباني الشاهقة بالقاهرة. لن تكلفكم إلا أن ترفعوا رؤوسكم… ارفعوا رؤوسكم العنينة عليكم لعنة الدماء التي أغرقت شوارع البلاد و بلاط أقسام الشرطة و قيعان البحرين و قضبان القطارات.

 إطلاق الحريات العامة غير المشروطة (حرية تعبير و عبادة و تجمع و اعتصام و نقد و سفر الخ) مشروع قومي لن يكلف مليماً واحداً و سيدفع عجلة الإنتاج إلى الأمام و سيدر دخلا غير مسبوق بعد أن يفضح المتآمرين و يقيد أيدي العلقات و يعدل المسار بشكل مستمر بما يضمن مقدرات البلاد و يحافظ على مكتسباتها. و لأنه هناك بوْنٌ شاسع بين إدارة الموارد البشرية و النخاسة يا سيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فليكن مشروعك القومي أن تصون الحريات العامة و تدعم التطهير الذاتي في المؤسسات لا أن تقمعه. و لترفعوا رؤوسكم العنينة عليكم لعنة الدم

و العدالة الحاسمة أيضاً مشروع قومي لن يكلف مليماً واحداً يا سيادة رئيس وزارة الثورة. العدالة التي لا تطالبنا بالتصالح قبل القصاص. العدالة التي تسوي بين عمال القطاعات الخدمية و الإنتاجية. العدالة التي لا ترتضي أن نأتي بوزير من ميدان التحرير فيأتي لنا بوزارة من بالوعات الحزب الوطني المنحل. العدالة التي لا تقبل بالتسول تحت دعاوى دعم الاستثمار من قوى أذلت شعب مصر لعقود و نكلت به اقتصادياً بشكل غير مسبوق بينما يقمع أتباعها من رجال الأعمال شعبنا مهددين بانهيار اقتصادي و إفلاس كاذب ليتوقف الشعب عن مطالبه فينجون كفئران السفينة بعد أن امتصوا آخر قطرات نظام مبارك القمعي و يتفرغون لإحكام أصابعهم الطويلة حول رقبة النظام الجديد. ارفعوا رؤوسكم العنينة عليكم لعنة الدم

و حقوق و كرامة الإنسان المصري كذلك مشروع قومي لن يكلف مليماً واحداً يا أيتها القوى الوطنية. مشروع لا يبعث على الفرقة ولا يؤثر عليه نتيجة استفتاء ولا عدد مقاعد ولا مادة ثانية ولا هراء صبحي صالح أو لزوجة خالد منتصر. ارفعوا رؤوسكم العنينة عليكم لعنة الدم

و الثورة مشروع قومي لن يكلف مليماً واحداً أكثر مما قد نهب و اغتصب يا أيها المحدقون بأعين فارغة في أيدٍ فارغة. يا من صرتم تؤثرون سلامة النعام و استطبتم الثريد و امتطاء العبيد. ارفعوا رؤوسكم عليكم لعنة الدم

طظ

محجوب عبد الدايم

رأي واحد حول “مشاريع قومية

أضف تعليق